قصة : أطفالٌ كبارٌ ! ( م / ف ) Light Erotica

قصة : أطفالٌ كبارٌ ! ( م / ف ) Light Erotica
يوم : ( 1 )

“سمِّي سبْعةَ أشياء تبدأ بحرف الخاء” ! … مَنْ يسأل مثل هذه الأسئلة في هذا الزمن ؟! .. ولكنّ الأطفالَ في كلِّ زمنٍ مولعون بهذه الأسئلة … هل ( خرنج ) كلمة ؟ … ما دمْتُ قلْتُها فهي كلمة .. ولكنْ هل من اللائق أن تُذْكَرَ أمامَ طفلٍ ؟

– « أنت لا تعرفين ! »

– « إن السؤالَ … سـ .. سخيفٌ »

– « كلا ! ليس كذلك .. بل أنتِ لا تعرفين ! »

– « ( ماهر ) ! لا تضايقْ خالتَكَ ! »

– « ولكنّي لم أفعلْ شيئًا ! »

كان اعتراضُ الأمِّ كافيًا لآخذ صفَّ الطفلِ .. _مع أنني كنْتُ ضقْتُ ذرْعًا به قبلَ قليلٍ_ .. فتدَّخلْتُ :

– « لا يوجد مشكلة يا ( سماح ) ، إنه لم يفعلْ شيئًا »

أشرق الوجهُ الطفوليّ بابتسامتِه ؛ لقد ساند أحدُ البالغين قولَه ضدَّ قولِ أمِّه !.. هذا حدثٌ نادرٌ !…

والتفتُّ جهَتَه لأجيب على السؤال السخيف :

– « حسنًا .. دعْنا نفكِّرْ : خوخ .. »

– « هذه واحدة ! »

– « إمهم … خوف »

– « الخوفُ ليس (شيئًا) ! »

بالطبع .. لا بد من اعتراضٍ سخيفٍ طفوليٍّ ..يدفعني دفْعًا لفقد أعصابي :

– « حسنًا .. شيءٌ مادّيّ .. خسّ »

– « هذه ثانية »

ألنْ يملَّ ؟! .. هل سيتابع السبعة كاملةً ؟! ..

– « خـ .. خـ .. لا أدري .. خمر ! »

البراءة الطفولية تتساءل :

– « ما هو الخمر ؟ »

الحرص المرضيّ على بقاء البراءة الطفولية كما هي – يتدخل :

– « ( ماهر ) ! اذهبْ إلى غرفتِك ، والعبْ بلعبِك ! »

– « ولكني لا أعرف ما هو الخمر ؟ »

– « لقد كانتْ زلَّةَ لسانٍ من خالتك ، هذه كلمة خاصة بالبالغين »

– « كل شيءٍ خاصّ بالبالغين ! »

– « ( ماهر ) ، الآن . غرفتَك ! »

جرجر ابنُ الخامسةِ رجليه .. منكّسَ الرأسِ إلى غرفتِه تاركًا غرفة ( الصالون ) مشعّةَ بنظرات الاعتراض التي توجّهها لي أختي ..

– « خمر ؟! »

– « لقد كان الخيارُ الآخرُ هو (خراء) ، وأعتقد أن هذا أسوأ »

الابتسامةُ تداعبُ ركني الفمِ ، ثم تختفي ، ويحلُّ محلُّها تظاهرٌ بالغضبِ .. _أو على الأقلِّ أنا أرجو أن يكون تظاهرًا_ :

– « ( حنان ) ، أحياناً أشعرُ أنكِ أولى بالتقويم من ابني ! »

– « المشكلة في السرعة .. لو كان ( ماهر ) بنفس سرعتي .. لانتهى بك الحالُ واقعةً على البلاط في كل مرة تحاولين إمساكَه »

الابتسامةُ تعاود التسلل لركني الفمِ ، وهذه المرة تبقى لفترةٍ أطولَ قبل أن تغادر :

– « لقد كنْتُ أسرعَ منكِ في صبانا »

أرفعُ يديّ في اعتراضٍ مسرحيّ :

– « متى خرجْتُ من الصبا ، حتى تشيري إليه بـ ( كان ) ؟! .. تحدثي عن نفسِكِ ! »

الضحكة الطفولية المكتومة .. ربما على رفع يديّ ، وليس على ما قلْتُه ..

– « ( ماهر ) !! عدْ لغرفتِكَ ! »

الخطوات الطفولية الراكضة إلى غرفتِها ! .. هؤلاء الأطفال !

– « لقدْ صرْتِ أمًّا يا ( سماح ) ! »

الابتسامة الهازئة على مُحيَّا أختي :

– « لقد حدث هذا قبلَ خمس سنين ! أينَ كنْتِ طيلة تلك الفترة ؟! »

لقدْ كنْتُ بجوارِكِ طيلة الوقتِ .. حتى في المستشفى ! .. ولكنَّ السخرية _ كما حتَّمَتْ عليها أنْ تسألَ استهزاءً_ تحتم عليّ أنْ أجيبَ استهزاءً :

– « كنْتُ في انتظار المولود الثاني حتى أهنئ بهما مرّةً واحدةً ، فكثرة الهدايا من الإسراف ! بالمناسبة هل هناك أخبار .. ؟ »

الملامح الحزينة تظهر لجزءٍ من الثانية قبل أن تختفي .. والتظاهر بـ ( كونِ الأمورِ على ما يرام ) لا يخفى على عينيّ :

– « نحن لا نرغبُ في المزيدِ ! .. ( ماهر ) ملأ علينا حياتَنا ! »

– « (نحن) .. ؟! »

يبدو أنني وقعْتُ على الجرحِ ، والنظرةُ التي تقولُ بجلاءٍ: ( رجاءً ! دعينا لا نخضْ في ذلك ) تنبعث من وجه أختي … ولكنّي أرغبُ في مواساتِها ؛ ليس التطفلَ بل المواساة :

– « رُبَّ ضارةٍ نافعةٍ ، على الأقلِّ بإمكانِكما أن تتفرغا ( لأمورٍ أهمّ ) الآن .. بإمكانيْ حتى أنْ آخذَ ( ماهرًا ) للنزهة في بعض الأوقاتِ .. هه ؟ .. هه ؟ »

غمزةُ عيني تقع على العصبِ الحسّاسٍ ، وبدلًا من أن تضحكَ ( سماح ) تغرورقُ عيناها بالدموعِ ، لقدْ أصبْتُ جللًا ، فالرامي يصيدُ وما يدري ! :

– « ماذا هناك ؟ .. هل أساء لكِ ذلكِ اللعين ؟ .. أقسم بكلِّ مقدّسٍ أن أيتّم ( ماهرًا ) بمجرد أن تقع عيني عليه ! »

الابتسامةُ تعود للوجه الحبيبِ ، ولكنّها جرَّتْ معها سيلاً من الدموعِ ! .. لا شيءَ يثيرُ فيّ الأسى مثل هذه الابتسامات الباكية … ومن بين دموعِها :

– « ” لولا ( ماهر ) لردَدْتُكِ إلى بيت أهلكِ ” »

– « الوغدُ قال هذا ؟!! »

هزةُ الرأس دامع العينينِ تُذْهِبُ كلَّ ذرةِ تعقّلٍ مني ؛ كيف يجرؤ – ذلك الخنزيرَ .. ولكنَّ أختي تفتحُ فمَها باحثةً عن كلماتٍ جديدة ، فأنحي الغضبَ قليلًا لأسمع شكواها :

– « أعتقد أنّ المشاكل بدأتْ بولادة ( ماهر ) ، هؤلاء الرجال أطفال كبارٌ .. إنهم يغارون من أبنائهم .. كان الأمر متحمَّلًا إلى حدٍّ كبيرِ .. حتى بدأتُ أفكّر في الإنجاب مرةً أخرى .. وهنا بدأتِ المشاكلُ تزيدُ ، حتى تظاهرْتُ بأنَّ الفكرةَ ليسَتْ مطروحةً على الطاولة ، وأننا سنتكتفي بطفلٍ واحدٍ … كان من المفترض أن نكون سعداءَ بعد ذلك ، وقد كان .. لفترةٍ طويلةٍ … ولكنْ مؤخرًا بدأتِ الاختلافاتُ تزيد … ووصل الجدالُ والشجارُ لحدٍّ مرهقٍ … وبدأ يلمّح للـ .. الطلاق ! »

كانَتْ دموعُها تلحّ لتسأثرَ بوجهها وتمنعه عن الكلام .. فلما ذكرَتِ الطلاقَ خلا لها الجوُّ فعربدَتْ … ونهضْتُ لأجلس بجوارِها ؛ على حافة الكرسيّ المقابل لي ، فألقَتْ بوجْهِها _بدموعِه ومخاطه_ في صدري .. ليس الرجالُ وحدَهم هم الأطفالَ الكبارَ .. الجنس البشريّ كلُّه كذلك ! … أربِّتُ على الكتفين المهتزّين من أثر البكاءِ ..وأحْكِمُ معانقة الباكية حتى يغوصَ أنفي في شعرِها ..

– « لعله يعودُ لرشده ، أيًّا يكنْ ما رأيتِه فيه حتى تزوجْتِه فهو لا يزال هناك ! »

الاهتزاز العنيفُ لرأسِها في صدري – يجبرني على الابتسام .. هذا اعتراضٌ طفوليٌّ .. لماذا أعتقد أنَّ بإمكاني أنْ أسْهِمَ في إنقاذ هذه الزيجة .. نرجسية ؟ .. ربما .. ولكنَّ إحساسًا عميقًا يراودني بأنَّ ( ماهرًا ) سينشأ بين أبيه وأمه … وأنَّه سيستغرق سنين طويلة حتى يعرف معنى كلمة ( طلاق ) .. ليس من العدلِ أن يجهل الطفلُ معنى (الخمر) ثم يقاسي أهوال طلاقِ والدَيه ! … منعُ هذا هو واجبي ؛ أنا من أوشك على تعليمه الكلمة الثانية ، فعليّ أنْ أحول دون تجربتِه الكلمةَ الأولى !

***
يوم : ( – 1500)

– « نائمٌ ؟ »

– « نائم . ولكنْ علينا أنْ نكونَ هادئَينِ »

هناك شيءٌ ما يُفْقَدُ في الزواجِ ؛ تلك المتعة المختلَسَة .. الخوفَ من الآخرين .. اقتناص ما تسنح به الفرصة ..
بعد الزواجِ .. حتى والديكما يعرفان بطبيعة ما تصنعانِه .. ويتوقعان منكما أن تستمرا فيه !
ولكنْ مع وجودِ طفلٍ جاهلٍ بالكلية عما يجري في البيت الذي يعيش فيه ..متوقعٍ أن يكون محور اهتمامِ أبويه ؛ لأنه بالتأكيد لا توجد أفعالٌ أخرى تحول دون التفرغ المطلق له !
عندها – تعود تلك المتعة المختلسَةُ مرَّةً أخرى .. مضافاً إليها حقيقةُ أنَّ الوقْتَ كلَّه أمامكما .. كلَّه إلى حدٍّ ما – فبإمكان ( ماهر ) أن يستيقظ ويحيلُ أيَّ شيءٍ آخرَ غيرَه إلى موضوعٍ ثانويّ قابل للإجهاض .. ولكنَّ هذه الاحتمالية تزيد من لذة اللحظة !

– « نكونَ هادئين ؛ فلا نفعلُ ما يُنْتِجُ صراخاً ؟ أمْ نفعله ثم نحاول جاهدين ألا نصرخَ بسببه ؟ »

– « الوضع الأول أسلم .. »

– « بالطبع ! »

– « ولكنْ أينَ التحدي في ذلك ؟ »

– « هذه هي فتاتي التي تزوَّجْتُها »

الصالةُ المغطاة بلعب الأطفال تصرخ احتجاجاً على التناقض بين البراءة التي كانتْ فيها قبل دقائق … ( والأفعال الفاضحة ) التي يتجه إليها الحوارُ .. ولكنْ من يهتم بالصالة ؟ .. وتنظرُ الزوجة إلى زوجِها منتظرةً منه المبادرة .. ولكنّه تصلّبَ في مكانِه محدِّقًا فيها ، وكأنَّه قد فقد عقلَه ؛ هذا الفستان يصف الأجزاء المهمة ، ويمر سريعًا على ما دون ذلك ؛ كأنه يراجع المراجعة النهائية في ليلة الامتحان … وتدرك الزوجة ما يعانيه زوجُها … ( مرض فقدان القدرة على الاتزان بسبب الحرارة المنبعثة من فتاة جميلة ) إنه شائعٌ في المراهقين من الذكور .. ولكنْ أحياناً يصابُ به الذكور في مراحل سنية أخرى … وتبتسم الزوجةُ ، وهي تمسك بيد زوجِها لترشدَه في الطريقِ ؛ … مع ما يعتمل في جسده الآن من الهرمونات فقد ينتهي به الطريق إلى المطبخ ! …لهذا تقوم الزوجة المحبة بسوقه خلفها إلى غرفة النومِ …والطريقُ إلى غرفة النومِ قصيرٌ .. ولكنْ عندما تحدّقُ في هذين المهتزّين أمامكَ وهما يقودانك للهدف .. فكل لحظةٍ يتأخر فيها النوالُ أليمةٌ طويلة مريرة .. والردفان يواصلان الإغراء ببراءة .. مَن؟ .. أنا ؟ .. لا ، أنا لا أرغبُ في أن يسيلَ لي لعابُك .. إنني فقط أحاولُ الانزلاق على أخي الآخر ، حتى نقوم بدورنا في تحريك الرجلين لتمشي زوجتُكَ ….. ماذا ؟ .. لا ، إن اقتحام نسيج الفستان بيني وبين أخي .. ليس مقصودًا البتة .. إنه قضاءٌ وقدرٌ !
لماذا لا تقتربُ غرفة النوم ؟ .. هل صارا يسكنان قَصْرًا ؟! …

ثمَّ الحدثُ المشئومُ : البكاءُ ينبثق من اللا مكانٍ .. ثمّ يتحدد مصدرُه مع علوِّ صوتِه .. يدُ الأم تتخلى عن يد الذكر الذي ليسَ ابنَها .. لتتجه للذكر الذي هو ابنُها .. بدون إيضاح سبب .. بدون إعادة جدولة ميعادٍ جديدٍ للزيارة .. لا شيءَ يهم ! إن وليَّ العهْدِ يبكي .. أما الملكُ فبإمكانِه أن يتولى شأنَ نفسِه … ولكنْ هل بإمكانِه ذلك فعلًا ؟ .. لقد كانتْ أولُ لعنةٍ تُصَبُّ على وليِّ العهدِ هي في هذه اللحظة … في بيته .. على يد أبيه .. ولو رفع الأبُ صوتَه قليلًا لوصل صوتُ اللعنةِ إلى أذنِ الأمِّ ، ولكنّها كانتْ قد فتحَتِ البابَ مسرعةً إلى الباكي الصغيرِ .. سارق الأضواءِ .. وهادم اللذاتِ …

ووصل إلى الزوجِ صوتُ الهدهدة منبعثًا من مصدر اللذة المفقودة ، وهذه المرة كادتْ اللعنةُ أن تُسْمَع من قِبَلِ الأمِّ ، لولا التصاقُها بمصدر البكاء الذي حال دون سماعِها لعناتِ زوجِها ..
ومِنْ قبلُ ما حال دون اهتمامِها بآمالِ زوجِها المبعثرةِ على أرضية الصالةِ .. تماماً كبعثرةِ ألعابِ ذلك الشيء .. ذلك الـ(هو) .. الأهم … الأول .. المقدَّم … اللعين !
***

يوم : ( 30 )

– « أربعة أشياء تبدأ بالباء وتنتهي بالباء .. »

كان التنويع الجديد قد توصل إلى إدخال شرطٍ جديدٍ في ( الشيء ) ؛ ليس الحرف الذي يبدأ به فقط ، وإنما ما ينتهي به كذلك .. جنون العظمة يغزو العقل الطفوليَّ إعجاباً بهذا الإبداع الفريد ..

– « يبدأ ، وينتهي ؟ .. وبنفس الحرف ؟ .. أنتَ ماهر يا ( ماهر ) ! »

الضحكُ الجنونيّ المميّز للأطفال .. النرجسية المحببة للنفس …

– « بررررب . هذا يبدأ وينتهي بالباء »

وقبل أن تعترض السنون الخمسة المتراكمة في الجسد الصغير ، كانتْ يدا خالتِه تدغدغاه ، وهي مستمرة على نفس الإجابة :

– « برررب .. بررررررب »

الطفل يضحك … ويعترض على الضحك .. ويضحك على الاعتراض .. وبين الضحكات يعاود الاعتراض :

– « هذه ..ههه .. ههه .. ليست كلـ …ههه ..ههه »

ثم تكف اليدان عن دغدغته .. فيستمر في الضحك قليلًا .. ثم يتذكر اعتراضَه :

– « ليسَتْ كلمة ! »

فتعلو اليدان ، وكأنهما تهددان بمزيد من الدغدغة ، فيضحك الطفل بلا مؤثر خارجي .. ثم لحظة الصدق الفلسفي الطفولي :

– « ما الذي يصنعه ( بابا ) و ( ماما ) عندما تأخذينني معكِ ؟ »

العينان البالغتان تتطلعان في العينين البريئتين .. طلبًا للمزيد من الإيضاح .. المزيد من سبر الأغوار الطفولية …

– « لأنهما لم يعودا يصرخان ، ويتظاهران بالكف عن الصراخ عندما أدخل عليهما .. كما كانا يفعلان قبل أن تبدئي في أخذي معكِ »

تضمه اليدان البالغتان لتحتضنه .. الأطفال مقدسون .. لماذا يُجَرُّون إلى معمعة اختياراتنا الخاطئة .. وإلى كوارث أفعالِنا المدمرة ؟

– « ريكونّيكتْ »

– « هذه كلمة خاصة بالبالغين ؟ »

البشري الأول يقترب من ( بروميثيوس) ليتلقى عنه جذوة النار … فداحة المسئولية الملقاة على عاتقه .. ضخامة التضحية التي قام بها الإله المحب للبشر حتى يهبه الحكمة .. كلّ هذا يدعوه للهمس جلالاً وتقديسًا .. وتنظرُ خالته / (برومثيوس) إليه وهي تكاتم ضحكتَها :

– « لن نخبرَ أحدًا بأنني من أخبرك بها ؟ »

الرأس الصغيرةُ تهتزّ نافيةً في حماسٍ .. هل تظنه خالتُه طفلاً ؟! بالطبع لا !

سينام هذه الليلة في بيت جده وجدته ، في الغرفة التي كانَ يشغلُها كلٌّ من خالتِه وأمِّه .. وبما أنَّ سريرَ أمِّه صار فارغًا ، فقد منحَتْه له خالتُه .. سريرًا كبيرًا له وحدَه !

وفي الصباح سيعود إلى بيت والدَيه بعد أن قاما بالـ ( ريكونيكتْ) ، الذي يعتقدان أنه لا يعرف اسمَه .. ولكنّ خالَتْه قد أخبرَتْه به .. وإن لم يكنْ يدري بالضبط ما هو .. ولكنّ الأسماء مهمة ..ولذا فإنه يحب خالتَه مانحة الحكمة ..
كما يسرّه أنّ ذلك الـ ( ريكونيكتْ) قد قضى على الصراخ في بيتِهم … الأمور جميلة ..
والحلوى التي اشترَتْها له خالتُه _ مع أنّ أمّه تمنعه من شرائها لأنها ضارة بالصحة _ لا تزال بقيّتُها في جيبِه .. وسيأكلُها فيما بعد على مهلٍ ، حتى لا تفرغ قبل أن تعود خالتُه لأخذه في الخميس المقبل .. وتعود لمنحه حلوى جديدة تكفيه بقية الأسبوع ..إنه يحب خالتَه مانحةَ الحلوى ! ..
ولعلها تخبره بالمزيد من الأسرار المقدسة لدنيا البالغين !

هؤلاء الذين يهبون الحكمة لا يمانعون في أكل الأشياء اللذيذة .. هذا درسٌ مهم في الحياة !

***

يوم : ( 1 )
– « سآخذه لبعض الوقت ، هذا سيحل المشكلة .. صدقيني .. »

الرأسُ تبتعد قليلاً عن صدري ، لتنظر أختي إليّ في دهشةٍ ، ثم نفطن جميعًا في نفس اللحظة لما حدث :

– « لن أخطفَ زوجكِ الذي تخافين أن يطلقكِ بالفعلِ .. النساء ! »

وتهزّ هي رأسَها في اعتذارٍ :

– « آسفة ، إنَّ كلَّ هذا قد ترك أثرَه على قدراتي الذهنية … »

ثمَّ رجعَتْ لما كنْتُ أقولَه – بعد إزالة ما لحق به من تحريفٍ .. فعلا وجهَهَا _الذي لا تزال فيه آثارُ البكاءِ_ أماراتُ الشكِّ :

– « لا أعتقد أنَّ ( ماهرًا ) يقبل أن يقضي بضعة ساعاتٍ خارج البيتِ ، وبعيدًا عني وعن والدِه ، كما أنَّ ( بابا ) يكره الأطفالَ .. أنا لا أعرف كيف ربَّانا أصلًا … »

– « دعي هذا عليّ .. قبولُ ( ماهر ) ، وفوبيا الأطفال لدى ( بابا ) .. سأتغلبُ على هذه وتلك .. وانتبهي أنتِ لدوركِ ؛ إن لمْ تكنْ لديكِ ملابس داخلية جديدة فاشتري واحدةً ! »

وقعُ المفاجأة على الوجه الحبيب .. لقد كنْتُ دائمًا ما أميل إلى هذه التعليقاتِ .. وكانتْ دائمًا ما تستحي بسببها .. حتى بعد زواجِها ؛ لا زالتِ الآنسة أجرأ من ( المدام ) .. فلأتمادَ :

– « لا أعتقد أن الأمر مقصورٌ على الملابس المثيرة .. بالنظر إلى ملامح وجهك المفاجأةِ .. أعتقد أنَّ زوجَكِ له حقٌّ في شعوره بالملل .. أنا لا أدرك كيف أنجبْتما (مـ .. »

تلك النظرة التي ردَّتْني ستَّ سنين إلى الوراءِ ؛ عندما كانَتْ في الجامعة ، وكنْتُ في الإعدادية ! ، وكأن النظرةَ لا تكفي فقد شاركها الصوتُ الناهي :

– « ( حنان ) ! »

– « آسفة »

تبًّا ! إنها لا تزال أختي الكبرى ، ولديها بعض السلطات الأموميّة عليّ .. على أيّةِ حالٍ .. بقية الخطة ..توجهْتُ لغرفة الصغيرِ ، وأنا أناديه :

– « ( ماهر ) ! »

يقتربُ مني ، فأحملَه ، وأعود لغرفة ( الصالون ) ، وقد مسحَتْ أمُّه دموعَها بالكاد ، فأكمل خطتي :

– « هل ترغبُ في أن نعودَ معًا لبيت ( جدّو ) .. هناك الكثير من الحلوى هناك ..؟ »

الأم تتدخل في حوارٍ لم تُدْعَ إليه :

– « معظم الألوان الصناعـ »

الابنُ الذي سمع ذلك الاعتراضَ مراتٍ من قبْلُ – يجدُ فيّ ملجأً :

– « نعم ! »

– « فكذلك إذًا .. دعْنا نترك عدوّةَ الحلوى هذه في البيت الخالي من الحلوى .. ونأكل كل ما نريده في بيتنا »

– « نعم ! »

– « ( حنان ) ، لا حلوى بألوان صناعية ، ولا طعاماً غيرَ صحيّ ، وإلا فلن أسمحَ له بالخروج ! »

– « إنَّ ما لا تعرفينه لن يضرَّكِ ! .. سأعيده غدًا ، في الصباح المتأخر .. هل انتبهْتِ لجزئية : (المتأخر ) هذه ؟ »

– « ( حنان ) ! »

– « قل وداعًا لـ ( ماما ) يا ( ماهر ) ! »

لوَّح الصغيرُ بيده لأمِّه ، وهمسْتُ أنا لها :

– « فقط ركزي على دورِكِ »

ثم انصرفْتُ ومعي وليّ العهدِ الذي يهدد عرشَ أبويه !

***

يوم : ( 300 )

– « هل يمكنني أن أحملَها ؟ »

– « على مهلٍ .. انتبهْ للرأسِ ! »

اليدان الطفوليتان تحيطان بالجسد الرضيع ، والأم تتوقع أن تبكي رضيعتُها في أية لحظة .. ولكنّ الرضيعة تبدو منشغلةً بالوجه الجديد الذي تتطلع إليه :

– « أنا أخوكِ يا ( حنان ) »

عندما يحاول الطفلُ أن ينزل بلكنتِه الطفولية لمرحلة أعتى في الطفولة حتى تفهمه أختُه الرضيعة.. هؤلاء الملائكة ! ..

ويبدو أنّ ( حناناً ) فوجئتْ بأنّ أخاها يتكلم .. فبدأتْ تحرك عينيها الصغيرتين بحثًا عن أمِّها .. وأماراتُ الاقترابِ من البكاء تتراكم على محيّاها ..

تلتقط الأمُّ الطفلةَ من يدي أخيها .. وتحاول مواساتَه :

– « إنها لا تزال صغيرة .. يومًا ما ستكبر ، وستكونان صديقَينِ مقرَّبينِ »

– « مثلكِ أنتِ وخالتي ( حنان ) ؟ .. كلتاهما ( حنان ) ! »

العقلُ الصغيرُ وصل للمصادفة وحدَه ! … والأمّ التي تعلم أنها ليسَتْ مصادفةً تبتسم له :

– « تمامًا مثلي أنا وخالتُكَ »

هذا التشبيه بدنيا البالغين يبعث في الطفلِ مشاعرَ الزهوّ .. لقد صار أخًا كبيرًا بعد أن كان طفلًا صغيرًا .. يا للمسئولية الضخمة !

***

يوم : ( 1 )

بابُ الشقة ينفتح .. لا أحدَ في استقبالِ الملكِ ! .. ولكنَّ صوتَ اصطدام أدواتِ الطبخِ يأتيه من المطبخ ..

يشعرُ بالاستياء بسبب تأخره ، ولكنه يواصل الخطو المثقلَ إلى غرفة الجلوسِ .. حتى يأتيه صوتُ زوجتِه – مرتفعًا كي يصلَه من المطبخ :

– « على وشْكِ الانتهاءِ من التسخين .. لقد جهَّزْتُ لك العشاءَ قبل ساعتَين ! »

والمعنى المبطَّن لهذه الجملة : لماذا تأخَّرْتَ ؟ .. وأجابَ من بين أسنانِه :

– « لقد جدّ شيءٌ ما في العملِ .. »

الصوتُ المرتفع يأتيه من المطبخ :

– « المعذرة ؟ لم أسمعْ ما قلْتَه ! »

– « مـشكــلــةٌ فـي الــعــمــلِ !! »

ما الداعي إلى الصراخ ؟ .. أنْ يصلَ صوتُه إلى المطبخ ؟ لقد وصل إلى مطابخ العمارة كلِّها !

أصواتُ إعدادِ الطعامِ تتوقَّفُ قليلًا .. وكأنه احتجاجٌ صامتٌ من ربة البيتِ على هذه الإجابة الصارخة .. يبدو أنَّ الليلة لا تسير إطلاقاً إلى خيرٍ.. الصمْتُ يستمرُّ قليلًا .. وكأنَّ الزوجةَ تزن خياراتِها ، ثم قبلَ أن تسأله عن سبب عدم اتصاله ليخبرَها أنه سيتأخرُ .. جاءَها سؤالُه :

– « هل ( ماهر ) نائم ؟ »

لم يكنْ من عادته أن ينام في العاشرة مساءً .. وأمّه لا تطيق مفارقتَه ، فأين هو ؟

– « على الأغلبِ لا .. ولكني لا أدري .. إنه مع خالتِه .. أتدري ماذا ؟ .. سأتصل بها لتعيدَه » ثم أضافَتْ لنفسِها : (لقد كانتْ خطةً فاشلةً من البداية .. )

الزوجُ ينتبه إلى ما يجري بعدَ فواتِ الأوانِ .. يحاولُ الاستدراكَ :

– « ولكنْ ربّما يكون قد نام بالفعلِ .. والمواصلاتُ الآن .. »

تقاطعه الزوجةُ التي تركَتْ المطبخَ جهة الهاتفِ :

– « إنه لا ينام في هذا الوقتِ ..وأبي سيقله بسيارتِه .. إنه على الأغلبِ سيكون مسرورًا بالتخلص منه .. لا مشكلة »

بل هناك مشكلة .. المشكلة أنَّ الطريق من المطبخ إلى مكانِ الهاتف بالنسبة للجالس في غرفة الجلوس .. يصلح ممرًّا لعرضِ الأزياء .. وما ترتديه الزوجة _ عملاً بنصيحة أختِها _ كان ( أزياءَ)..
ولذلك فالمحاولة الخجولُ من الزوجِ لثني همة زوجتِه عن إجهاض الخطة قد استحالَتْ محاولةً عنيفةً ؛ في ثوانٍ كان قد هرع إلى سلك الهاتف ونزعه من المقبس .. لو لمْ تكن الزاوية ملائمةً لنزعِه ، لكان تمزَّق السلكُ في يده ..

– « إن الخط مقطوعٌ للأسفِ »
يعلم أنَّ هذا غيرُ كافٍ لمحو شهورٍ من المقارعاتِ .. ولكنه يحاولُ .. وزوجتُه ترد في حيادٍ – لا غضب ، لا رضا ، لا ابتسام ، لا تقطيب :

– « سأعودُ لتسخين الطعام »

كانتْ تعلم أنه يلتهمها بعينيه في طريقِها إلى المطبخِ .. ولكنَّ هذا لم يخفِّفْ من استيائها ؛ هي لا تريد أن تعامَلَ كجسدٍ ؛ شيءٌ من الاحترام سيكون أنجعَ ..

– « أنا آسف ! »

الصوتُ يأتيها من خلفها .. فيذيبَ بعضَ الجليدِ ، ولكنّ الجليدَ متراكمٌ من مدةٍ بعيدةٍ ، فلن تزيلَه كلمتان !

– « لا مشكلة ، لقدْ كانتْ هناك ظروفٌ في العملِ »

هي تعلم أنه لا يعتذر عن تأخرِه ، ولكنّها _عامدةً_ تُخَفّفُ تركيزَ اعتذارِه بتوجيهه إلى حدثٍ واحدٍ ، وليس إلى شهورٍ بأكملِها ..

الكتفان يعلوان في حيرةٍ ، ولكنّ الزوجةَ في طريقِها إلى المطبخ لا تراهما .. الكتفان يهبطان في يأسٍ بينما يهمس الزوجُ :

– « ( سماح ) .. أنا أحبك .. »

لو كان صرخ بهذه بدلاً من تلك .. ولكنّ التفاهاتِ دائمًا أعلى صخبًا .. وعواطف القلب يضيع صداها وسط اللغط .. لمْ يصلِ الهمسُ إلى أذني الزوجةِ .. وسرعان ما آواها مطبخُها ، وعاد صوتُ قرع المعالق للحلل ليصل إلى زوجِها الواقف في مكانه في حيرةٍ .. عقلُه يحاولُ البحثَ عن مدخلٍ جديدٍ للكلام .. خطأ واحدٌ آخرُ .. قد يعجِّلُ بكلِّ شيءٍ إلى الهاوية … هل عليه أنْ يتبعَها إلى المطبخِ ؟ .. هل ينتظرُ ؟ .. هل يقولُ شيئًا ؟ .. هل يصمتُ ؟

صوتُ الخطواتِ يقتربُ .. تخرجُ صاحبتُها من المطبخِ وهي تحمل له طعامَه .. وهو لا يريد الطعامَ بل يريدها هي!

الطعامُ يستقر على الأرض ؛ واحدةً من تنازلاتٍ كثيرةٍ قدَّمَتْها له في بداية زواجِهم : ما دام زوجُها قد اعتاد أن يأكل على الأرض فسنستعمل المائدة لرص الكتب ! .. أين ذهبَ هذا كلّه ؟

– « ستظل واقفًا عندَك ؟ »

– « … »

يداه تعلوان وتهبطُان .. إنه لا يدري ماذا يصْنعُ .. وتشعر بالأسى له .. لماذا لا تمنحه فرصةً أخرى ؟ ..

تحاولُ أن تَزِنَ ما ستقدمه له بالميزان ؛ لئلا يتوهم أنَّ كلَّ شيءٍ صار على ما يرام ، أو أنَّ دَينَه قد سُدِّدَ بتمامِه :

– « الأكل سيبرد ، وسأضطر حينَها لتسخينه مرّةً أخرى .. من أجلك »

هل هذا أقلُّ مما رغبَتْ في منحه أم أكثر ؟ .. ولكنْ يبدو أنه مستعدٌّ للتعلق بأي شيءٍ :

– « من أجلي ؟ »

هل تزيد ؟ .. نفسُها تأمرُها بأن ترسخ وتتزن ، ولكنّ منظرَه مثيرٌ للشفقة .. لقد تبخَّرَتْ تلك العدوانيّة المنفّرَة .. وحلّتْ محلّها هذه الهيئة التائهة .. إنها تَرِقّ له ؛ ستعطيه فرصةً أخيرةً :

– « بما أنك لن تذوق شيئًا ساخنًا آخرَ هذه الليلة ! »

طفْلٌ في متجر حلوى ؛ هذه هي ملامح زوجِها في هذه اللحظة .. ولكنّه يريدُ أن يستوثق أن المتجر مغلقٌ ، وأنّ أحدًا لنْ يُفْسِدَ عليه حفلتَه :

– « ( ماهر ) عند خالتِه ؟ »

الابتسامةُ تتغلبُ على الشفتين .. هذا هو الأحمق الذي تزوجَتْه .. ولكنّ أشباح الماضي لا تفارقُ ذهنَها بعدُ .. وعلى الرغمِ منها :

– « هل تريد أن تلحقَ به أمُّه عند خالتِه ؟ »

لماذا قالَتْ ذلك ؟ .. إنّ بعض الأقوالِ والأفعالِ لا تُمْحى بسهولةٍ من الذاكرةِ .. وهو من قال ذلك ؛ لماذا قالَ ذلك ؟

– « منِ الحمارُ الذيْ لمَّحَ إلى ذلك ؟ »

إنه يوشكُ على تسوية الدَّينِ .. بقيَ هناك زرٌّ واحدٌ عليه أن يضغط عليه :

– « أنا فعلًا آسف .. على كلِّ شيءٍ .. وعلى هذا التلميحِ بالذات ! »

بإمكانِه أن يكذبَ على من شاء ، ولكنْ ليس على هذه .. لو لمْ يكنْ صادقًا في أسفِه لفطِنَتْ له :

– « الأكلُ سيبرد »

– « ليس وأنتِ بجوارِه ؛ الأقربُ أن يحترقَ »

الابتسامةُ هذه المرة لا تتنازع مع أشباحِ الماضي ، بل خلا لها الوجهُ .. زوجُها يتظاهرُ أنه لا يصدّقُ أنّ كل هذا قد أتيح ، فيتصنع القلقَ وهو يسأل :

– « واثقة أنّ ( ماهرًا ) عند خالتِه ؟ »

حبلُ الكلامِ يقصرُ رويدًا رويدًا مع اقترابِ الزوج من زوجتِه .. وتريد أن تكون لها الكلمةُ الأخيرةُ :

– « لن يُلْهيَني عنك أحدٌ هذه الليلة يا صغيري ! »

واشتعلَ الطابخُ والمطبوخُ له ..

وبردَ الطعامُ !
— ( تـمَّـت ) —